المتكلفون في قراءة القرآن
يعمد بعض القراء إلى تكلف في إخراج الحروف والمدود، فتجده مصروفا عن تدبر كلام رب العالمين إلى تقليب نغمة الصوت، وتكلف الأداء، والمبالغة في تجويد القراءة. ولم يكن على ذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أمره، ولا السلف الصالح من بعده، بل كانت قراءتهم وسطا لا غلو فيها ولا تفريط، وكانوا يسألون الله عند آيات الوعد، ويفرقون من آيات الوعيد، ولهم مع قصصه عبر، وفي آياته نظر. {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب}(ص: 29).
وللذهبي رحمه الله، كلام فيمن بالغ وتكلف في تجويد الكتاب العزيز. يقول: فالقراء المجودة: فيهم تنطع وتحرير زائد يؤدي إلى أن المجود القارئ يبقى مصروف الهمة إلى مراعاة الحروف والتنطع في تجويدها بحيث يشغله ذلك عن تدبر معاني كتاب الله، ويصرفه عن الخشوع في التلاوة ويخليه قوي النفس مزدريا بحفاظ كتاب الله تعالى، فينظر إليهم بعين المقت وبأن المسلمين يلحنون وبأن القراء لا يحفظون إلا شواذ القراءة. فليت شعري أنت ماذا عرفت وماذا عملت؟ فأما علمك فغير صالح، وأما تلاوتك فثقيلة عرية من الخشعة والحزن والخوف، فالله تعالى يوفقك ويبصرك رشدك ويوقظك من مرقدة الجهل والرياء.
وضدهم قراء النغم والتمطيط، وهؤلاء من قرأ منهم بقلب وخوف قد ينتفع به في الجملة، فقد رأيت منهم من يقرأ صحيحا ويطرب ويبكي، ورأيت منهم من إذا قرأ قسَّى القلوب وأبرم النفوس وبدل الكلام، وأسوأهم حالا الجنائزية.
وأما القراءة بالروايات وبالجمع فأبعد شيء عن الخشوع وأقدم شيء على التلاوة بما يخرج عن القصد، وشعارهم في تكثير وجوه حمزة وتغليظ اللامات وترقيق الراءات. اقرأ يا رجل وأعفنا من التغليظ والترقيق وفرط الإمالة والمدود ووقوف حمزة إلى كم هذا!.
وآخر منهم إن حضر في ختم أو تلا في محراب جعل ديدنه إحضار غرائب الوجوه والسكت والتهوع بالتسهيل وأتى بكل خلاف ونادى على نفسه أن (أبو اعرفوني) فإني عارف بالسبع. إيش نعمل بك؟ لا وصبحك الله بخير إنك حجر منجنيق ورصاص على الأفئدة.