عندما نتحدث عن التربية بمفهومها فإننا لن نتعرض للتعريف اللغوي المتشعب الذي يعرفه الكثير ولكننا مباشرة تتجه أذهاننا إلى ما وقف عليه المصطلح من تعريف متصل بالاهتمام بالفرد وتنميته وتثقيفه وتعليمه وما إلى ذلك مما يتصل بمحاولة جعل الفرد من النماذج الصالحة بالعمل بأسباب ذلك .
لكننا عندما نرجع إلى بعض من أولو هذا الأمر الاهتمام على سبيل الافتراض نجد بعضهم – إن لم يكن الكثير - بعيدين كل البعد عن تحقيق جوانبه ، أقصد أولئك الذين تسموا به وأصبح يشار إليهم ولو بإحسان الظن على أنهم فرسان أحلامه .
فتربية الفرد لا تكون بحبسه في مكان معين ثم إعطائه جرعات معينة ومتعددة من معارف متنوعة ، ولا تكون بتركه يسرح و يمرح تحت مظلة " الديموقراطية " ، " وعدم سلب حقوق الرأي " ، و" السماحة في التعامل " ، وإنما الأمر أبعد من ذلك .
إن تهذيب سلوك الفرد ، والتأكد من ذلك على مختلف الأزمان - بعيدةً كانت أو قريبةً ، وسواءً كان ذلك الفرد منحرفاً فتغير سلوكه أو كان ناشئاً فتأصل فيه ذلك التهذيب - هو المطلب الحقيقيّ ويضاف إليه ما يتعلمه ذلك المهذّب من العلوم التي استقاها .
ولقد شهدت الأمة في هذه الأزمنة الكثير من المتعلمين الحاصلين على الشهادات الوصفية لما تعلموا بل والمتسببة في أن يتبوأ بعضهم المراكز والمناصب العالية ؛ فإذا فتشت فيهم وسألت عن حالهم مع ربهم – جل جلاله – ومع دينهم وجدتهم مقلين – إن لم يكونوا أصفاراً محسوبة على الأمة – وقد تجد بعضهم مستأمناً على عقول الأجيال والبعض الأخر على أجساد النساء والرجال ، وتجد آخرين قد تمنطقوا في المقال وأصبح يُصفق لهم حتى من الأطفــال ؛ وما هم إلا مزتزقة يقتنصون الأموال .
فإذا قلت لي الهداية من الله ؛ قلت لك نعم ولكن هذا يحتاج إلى عمل بالأسباب وإلى تربية سليمة قبل إعطاء المعارف ، وإلى غرس للعقيدة الصحيحة منذ الصغر حتى يخرج لنا من نعول عليهم الكثير بعد الله – عز وجل – في جميع التخصصات والمجالات ، ويخرج عندئذ من يربي أجيالاً آخرين .
لقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم المعلم والمربي والمجاهد والإمام ولم يكن يغفل أي جانب من جوانب تنمية العقول .